Articles by "نفحات إيمانية"
‏إظهار الرسائل ذات التسميات نفحات إيمانية. إظهار كافة الرسائل

 

العنوسة أسبابها وعلاجها | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف


العنوسة أسبابها وعلاجها | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
العنوسة أسبابها وعلاجها | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف

 


إن العنوسة آفة تكاد اليوم أن تكون موجودة في كل بيت فلا يكاد يخلو بيت من وجود شاب أو فتاة بلغت سن الزواج وتجاوزته ولم تتزوج بعد وطال مكثها في بيت أهلها وهى مشكلة مستفحلة ومنتشرة في كثير من بيوتنا ومجتمعاتنا العربية .


بل من أعظم أسباب انتشار العنوسة هي تلك العادات والتقاليد السيئة والأعراف الخاطئة السائدة كالتباهي في المهور والمغالاة فيها والتفاخر في التجهيز لمؤن الزواج وتكاليفه فهذا سبب رئيسي وعائق كبير أدى إلى نشوء هذه المشكلة.


والعنوسة ظاهرةٌ عمَّت المجتمعات، ودخلت أغلب البيوت ، وحطَّمت آمال كثيرٍ من النساء والرِّجال، وخوَّفت كثيراً من الصالحين على بناتهم، فما أسباب انتشارها، وما علاجها.


ومن أهم أسباب انتشار العنوسة:


العادات والتقاليد السيئة التي ساهمت في تفشِّي العُنوسة وتتمثل فى المغالاة في المهور والتباهي بها، وما يُسمى بالأفراح والإسراف فيها  .


وقد تكون العادات والتقاليد السيئة سببًا رئيسًا للعنوسة؛ فمن تلك العادات اشتراط الزَّواج من نفس القبيلة، والضحيَّة في هذا الأمر هنَّ الفتيات .


رفض أغلب الفتيات الزواج بحجَّة إكمال الدراسة، فإذا انتهت من دراستها لم تجد أحداً تقدَّم لها .


أيضاً أزمة المسكن وارتفاع أسعار الإيجارات، وضيق فُرََص العمل.


كذلك الدعوة بمساواة المرأة بالرجل، ومحاربة وتشويه تعدُّد الزوجات والزواج المبكِّر، وتشجيع الصداقة بين الشباب والفتيات .


وقد يَعمد بعضُ الآباء إلى مَنع المتقدمين للزَّواج بسبب أنَّ المطلوبة للزواج هي الصغرى، فلا زواج لها حتى تتزوَّج الكبرى، وتمر السنون، وتذهب الأيام والبنات حبيسات المنزل !


أيضاً الكثير من الشباب يلجأ إلى الهجرة إلى الخارج للبحث عن عمل أو للتعليم، مما يدفعهم إلى الاستقرار في بلاد أخرى غير بلده التى ولد فيها مما يضطره إلى الزواج من فتيات أجنبيات، وذلك نظراً لقلة تكاليف الزواج منهن، أو لأهداف أخرى مثل الحصول على جنسية الدولة التي يتزوج فيها.


هذه هى بعض الأسباب الرئيسة التي تقف وراء العنوسة ؛ والحل لمن أراد الحل ومن أراد القضاء على هذه المشكلة أن يسهل في هذا الأمر ويخفف ويسهل ويبتعد عن المغالاة والتفاخر .


كذلك لمن أراد أن يزيل كل العقبات والتعقيدات من طريقه ليجري الزواج بكل سهولة وبساطة عليه بقول الله سبحانه وتعالى :


﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ 


سورة النور


واسمعوا إلى صاحب مدين ذلك الأب الصالح الذي قال لموسى عليه السلام :


﴿ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾


سورة القصص


وإذا تم التسهيل وأغلق باب التعقيد فإن كثيراً من الشباب لديهم رغبة جامحة في الزواج والإقبال عليه وهناك أسر كثيرة لديها الاستعداد الكامل لتزويج كل شاب صالح طموح بغض النظر عما سيدفع من تكاليف وما سيفعل من تجهيزات وقد قال رسولنا صلى الله عليه وسلم :

ثلاثة حق على الله عونهم وذكر منهم الناكح يريد العفاف .


كما يجب على الآباء الذين يريدون إعفاف أبنائهم وبناتهم أن يتخلوا عن العادات السيئة والأعراف القبيحة التي تؤدي إلى العنوسة فلا ينبغي لهم أبداً أن يردوا شاباً مصلياً صالحاً تقدم إليهم بحجة عدم التكافؤ في النسب ولا يعقدون الأمور في اشتراط زواج الكبيرة قبل الصغيرة فلكل حظها ونصيبها ومن سهل لتلك سهل الله عليه في الأخرى.


وعلينا اتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه : 

إذا جاءكم من ترضون دينه وخُلُقَهُ فَزَوِّجُوه، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير .


وأن يكون المعيار الأول والأخير عند اختيار الزوج أو الزوجة هو اختيار الأكْفَاء، وتَتَبُّع الصفات التي وضعها الله ورسوله لنا عن الاختيار، ومنه قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: 


تُنكَح المرأةُ لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفَرْ بذات الدين تَرِبَتْ يداك .


وكذلك لا ينبغي أن تجعل الدراسة عائقاً عن الزواج فالزواج أهم من الدراسة لأن قطاره يفوت والعمر يمضي بخلاف الدراسة فإن مجالها واسع .


وأكد الاختصاصي الاجتماعي أيضًا على ضرورة ألاَّ ترفض الفتاة الزواج لمجرد أنها تريد أن تُكْمِلَ دراستها؛ لأنها من الممكن أن تواصل تعليمها بعد الزواج عن طريق اتفاقها مع زوجها على ذلك، وألا يعتقد البعض أن الزواج قد يعطل المسيرة التعليمية؛ لأن الأمر عكس ذلك تمامًا؛ فإن الزواج الموفَّق يُعينُ على صفاء النفس وراحة الفكر، وفقًا لما أكدته العديد من الدراسات .


وأخيراً:


إن الحل والعلاج لظاهرة العنوسة في المجتمع الإسلامي يكمن في العودة إلى دين الله تعالى بتقوية البناء العقدي في الأمة، والتربية الإيمانية للأجيال من الفتيان والفتيات، وتكثيف القيم الأخلاقية في المجتمع، لا سيما في البيت والأسرة، ومعالجة الأزمات والعواصف التي تهدد كيان المجتمع، وتيسير سبل الزواج، وتخفيف المهور، وتزويج الأكفاء، وترسيخ المعايير الشرعية لاختيار الزوجين، ومجانبة الأعراف والعادات والتقاليد الدخيلة التي لا تتناسب مع قيم ديننا الحنيف.


اللهمَّ ارزق بناتنا وبنات المسلمين الأزواج الصالحين، اللهم آمين يارب العالمين.




قيمة الزّمن | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف


قيمة الزّمن | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
قيمة الزّمن | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف




قال الطّيبي رحمه الله تعالى : 


إن الأوقات والسّاعات كرأس المال للتّاجر ، فينبغي أن يتّجِرَ فيما يربحُ فيه، وكُلّما كان رأسُ ماله كثيرًا ، كان الرّبح أكثر ، فمن انتفع من عمره بأن حَسُنَ عملُهُ ، فقد فاز وأفلح ، ومن أضاع رأس ماله ، لم يربح وخسِرَ خُسرانًا مبينًا .


الزَّمَنُ وَالْوَقْتُ مِنْ أَثْمَنِ الأَشْيَاءِ الَّتِيْ لا يَسْتَطِيْعُ الْإِنْسَانُ شِرَائهَا ، فَهُوَ يَمُرُ بِسُرْعَةٍ ، وَلَا يُمْكِن أنْ يَعُوْد الزَّمَنُ إِلَى الْوَرَاءِ ؛ فإن لِلْوَقْتِ في الْإِسْلَامِ ؛وَخَاصَةً عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ قِيمَةً عَظِيمَةً ، فَهُوَ رَأْسُ الْمَالِ ، مَا ذَهَبَ مِنْهُ لَا يَعُودُ ، وَمَنْ فَرَّطَ فِي وَقْتِهِ وَعُمُرِهِ فَقَدْ فَرَّطَ فِي خَيْرٍ كَبِيرٍ ؛ لِأَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُضَيِّعُ عُمُرَهُ وَوَقْتَه ، وَلا يُحْسِنُ اسْتِثْمَارَهُ بِمَا يَنْفَعُهُ ؛ بَلْ رُبَّمَا قَضَاهُ فِيمَا يَضُرُّهُ فِي مَجَالِسِ الْغَفْلَةِ وَاللَّهْوِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ .


وَقَدْ اهْتَمَّ الْإِسْلَامُ بِالْوَقْتِ وَبَيَّنَ أَهَمِّيَّتَهُ .


قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم كَمَا فِي الصَّحِيحِ: 


نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ؛ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ .


فَالْخَاسِرُ وَقْتَهُ مَغْبُونٌ كَالَّذِي يَبِيعُ سِلْعَتَهُ بِأَقَلَّ مِمَّا تَسْتَحِقُّ ، أَوْ يَشْتَرِيهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا تَسْتَحِقُّ .


ولقد كان السّلف الصّالح ومن سَارَ على دَرْبهم وطريقهم يبادِرُون إلى استغْلال أوقاتهم ؛ لعلمهم بتسابق الأزمنة ، وسرعة الدهر في الانقضاء ، وتلك أمثلة عديدة لنماذج في الحرص على الأوقات ؛ لندرك حجم البون الشاسع بيننا وبينهم :


#قال ابن مسعود رضي الله عنه: 


ما ندمتُ على شيءٍ ندمي على يومٍ غربت فيه شمسُهُ ، نقص فيه أجلي ، ولم يزدَدْ فيه عملي .


ويقول الحسن البصري رحمه الله: 


يا ابن آدم ، إنَّما أنت أيَّام ، كلَّما ذهب يومٌ ذهب بعضُك .


وقال أيضًا: 


لقد أدركت أقوامًا كانوا على أوقاتهم أشدَّ حرصًا منكم على أموالكم .


قَالَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : 


يَا عُمَرُ ، وَاعْلَمْ أَنَّ للهِ عَمَلًا بِالنَّهَارِ لَا يقْبَلُهُ بِاللَّيْلِ ، وَأَنَّ للهِ عَمَلًا بِاللَّيْلِ لَا يَقْبَلُهُ بِالنَّهَارِ .


وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّه كَانَ يَقُولُ :


إِنِّي لَأَمْقُتُ الرَّجُلَ أَنْ أَرَاهُ فَارِغًا لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ عَمَلِ الدُّنْيَا ، وَلَا عَمَلِ الْآخِرَةِ .


يَقُولُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : 


إِنِّي لَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي وَقَوْمَتِي .


 يَعْنِيْ يَحْتَسِبُ بِذَلِكَ الأَجْرُ مِنَ اللهِ .


وَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَه اللهُ يَقُولُ عَنْ حَالِ السَّلَفِ :


أَدْرَكْتُ أَقْوامًا كَانُوا عَلَى أَوْقَاتِهِمْ أَشَدَّ حِرْصًا مِنْكُمْ عَلَى دَرَاهِمِكُمْ وَدَنَانِيرِكُمْ .


قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ :


ابْنُ آدَم إِنَّ الْأَيَّام تَعْمَلُ فِيْكَ فَاسْبِقْهَا وَاعْمَل فِيْهَا .


ويقولَ ابنُ القيمِّ : 


وأعظمُ هذِهِ الإضاعاتِ إضاعتانِ هُمَا أصْلُ كُلِّ إضاعةٍ : 


إضاعةُ القلبِ ، وإضاعةُ الوقتِ .


فإضاعةُ القَلْبِ مِنْ إيثارِ الدنيا على الآخِرَةِ ، وإضاعةُ الوقتِ مِنْ طولِ الأمَلِ ، فاجتمعَ الفسادُ كُلُّهُ في اتِّباعِ الهوى وطولِ الأمَلِ .


والصلاحُ كُلُّه في اتِّـباعِ الهُدى والاستعدادِ لِلقاءِ . 


قال عليه الصلاة والسلام : 


اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ : 


شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ .


رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين


وقد قيل لملك زال عنه ملكه يومًا : ما الذي سلبك ملكك ؟ 


فردّ قائلاً : تأخيري عمل اليوم إلى الغد .


وتلك حكمة كنا نراها قديمًا ونحن صغار على الكراسات : 


لا تؤجِّل عمل اليوم إلى الغد .


وهذا عالِم مجتهد : ابن عقيل الحنبلي رحمه الله كان يقول : 


أنا أحب سف الكعك على أكل الخبز ؛ لأن سف الكعك لا يأخذ وقتاً ، وأكل الخبز أنتظر حتى أقطع وأغمس وغير ذلك ، فتذهب الأعمار في الأكل .


وابن عقيل يقول عنه الذهبي : 


إنه استطاع أن يؤلف أكبر مصنف في الدنيا وهو كتاب ( الفُنُون )


أي : فنون اللغة ، وفنون التفسير ، وفنون المناظرات ، وفنون الكلام ، وفنون الفلسفة وغير ذلك ، فكل العلوم التي تتخيلها في كتاب الفنون ، فهو (800) مجلد . 


وكان ابن عقيل رحمه الله : 


إنه لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري .



 إعادة الصلاة المكتوبة | بقلم أ. د روحية مصطفى أحمد الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة 


إعادة الصلاة المكتوبة | بقلم أ. د روحية مصطفى أحمد الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة
إعادة الصلاة المكتوبة | بقلم أ. د روحية مصطفى أحمد الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة


المقصود بإعادة الصلاة : هي أن يؤدي صلاة من الصلوات المكتوبة، ثم يرى فيها نقصاً أو خللً في الآداب أو المكملات، فيعيدها على وجه لا يكون فيها ذلك النقص أو الخلل. 

وحكمها هذه الإعادة : الاستحباب. ومثال ذلك أن يكون قد صلى الظهر منفرداً، ثم يدرك من يؤدي هذه الصلاة جماعة، فيسن أن يعيدها معه. والفرض بالنسبة له هو الصلاة الأولى، وتقع الثانية نافلة. 

دليل ذلك : ماروى الترمذي ،إنه صلى الله عليه وسلم صلى الصبح فرأى رجلين لم يصليا معه فقال:" فقال ما منَعَكُمَا أنْ تُصلِّيَا معَنَا " ؟ فقَالَا: يا رسُولَ اللّهِ إِنّا كنا قد صَلَّينَا في رِحالِنَا ، قال : " فلا تفْعَلَا إذا صلَّيْتُمَا في رِحالِكُمَا ثمَّ أتَيْتُمَا مسْجِدَ جمَاعَةٍ فصَلِّيَا معَهُمْ فإِنَّهَا لكُمَا نافِلَةٌ "  حسن صحيح . 

أما إذا لم يكن في الأولى خلل أو نقص، ولم تكن الصلاة أتم من الأولى، فلا تسن الإعادة. والله تعالى أعلى وأعلم




 

القراءة تَصْنع الوجودَ الإنسانِى وتؤسِّس الحضارات وتبني الدُّول | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف


القراءة تَصْنع الوجودَ الإنسانِى وتؤسِّس الحضارات وتبني الدُّول | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
القراءة تَصْنع الوجودَ الإنسانِى وتؤسِّس الحضارات وتبني الدُّول | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف 

 


القراءة هي مُفتاح العقول وهي أساس تكوين المعرفة التي تفتح آفاق العلم والابتكار والتقدم، التي من شأنها أن تُسهّل حياة الناس، وترفع من مكانتهم.

وهى وسيلة فاعلة للتعامل الحكيم مع مختلف الأزمات والمواقف، كما أنّها دليل ملموس على سعي المجتمع ومثابرته لمواجهة أي صعوبات ومعوقات .


ونحن أمة اقرأ، أمة القرآن والعلم، أمّة أسس دينها على القراءة والبحث والاكتشاف .


أمّة اقترن عملها بالعلم فلا تجد آية فيها أمرٌ بالعمل إلا وكان العلم قبلها .


إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ


ولهذا نجد أن أول آية فى القرآن الكريم كانت :


اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الذي خَلَقَ [العلق: 1]


بهذه الكلمات الربَّانية النورانية أُعلِنَ ميلاد الإسلام، وأعلن معه ميلاد العلم بجناحيه القلم والقراءة.


تلك كانت أول آية أنزلها الله سبحانه وتعالى على النبى محمد صلى الله عليه وسلم، وهي وإن دلَّت على شيء فإنما تدلُّ على أهمية القراءة باعتبارها إحدى أدوات بناء الأمم وتقدُّم الشعوب .

فالقراءة وسيلة التقدُّم والرقيِّ والمعرفة والازدهار، ولا يمكن أن يتصوَّر تقدُّم أمة ما دون أن تكون قارئةً ومطلعةً على ما يدور حولها .


والقراءة هي أهم وسائل التعليم في حياة أي إنسان، والتي يستطيع الإنسان من خلالها أن يَكتسب مزيدًا من الأفكار والرُّؤى والمعارف والعلوم التي تُفيده في سائر مجالات الحياة، ومن خلالها يتمكن الإنسان من تطوير ذاته والوصول إلى آفاق جديدة ربما كان لا يَستطيع الوصول إليها قبل ذلك.


والقراءة كانت على مرِّ العصور وستظل أفضل أدوات تناقل المعرفة بين العقول البشرية المختلفة باعتبارها الصفة المميِّزة للشعوب المتقدمة .

 

إن القراء في عصرنا الحديث قد أصبح لها أهمية كبيرة ؛ وذلك لأنها أصبحت جزءًا رئيسياً في حياة كل إنسان، فلا سبيل للإبداع أو للابتكار أو الوصول إلى الاختراعات صغيرة كانت أو كبيرة إلا من خلال القراءة.


فإذا أمعنّا النظر حولنا سنعلم علم اليقين أن القراءة إنما هي جزء أساسي ومكمِّل لحياة الفرد العملية والشخصية وكافة مجالات الحياة، فضلاً عن أنها بمثابة المدخل الرئيس لكافة أبواب المعارف والعلوم المتنوِّعة .


إنَّ توجيه الفرد إلى القراءة يُمكن أن يوفر لنا جيلاً من القارئين الذين يتمتعون بالمعرفة الصحيحة بما يؤدي إلى النهوض الحضاري، كما أنَّ الطفل الصغير عندما ينشأ على حب القراءة، فسوف يكون إيجابيًّا في أسرته ومجتمعه، وسوف يُصبح عنصرَ خير في بيئته؛ لذلك فإنَّ مؤسساتِنا التعليمية ووسائل الإعلام ينبغي أنْ تُشجع القراءة.


وأجمل القراءات ما كان غايتها استرضاء الله عزَّ وجلَّ إذ إنَّها تضبط السلوك الإنساني، وتحث على أداء الحقوق والواجبات، وتمنع الفوضى والسلبية والخيانة والظلم والفوضى.


فالقراءة قوام الشخصية السويَّة، والعقلية الإبداعية، وما من أحد يستغني عنها.

فالقراءة تزيل الغشاوات التي تُحيط بالعقول، كما أنَّها تصلح الدنيا والدين وتدفعه إلى الاتزان والاعتدال.


والقراءة تَصْنع الوجودَ الإنسانِيَّ الرشيد وتؤسِّس الحضارات وتبني الدُّول والممالك المُزدَهرة وتَرتقي بحياة الإنسان نحو مدارجِ الكمال والجمال.

بالقراءة تتميَّز الشُّعوب والأمم في مِضمار الرُّقي والقوة والنَّهضة وحياة العِزَّة وعِزَّة الحياة فالشُّعوب القارئة لا تُستغفل ولا يُستهان بإرادتِها، ولا يُستخَفُّ بعُقولها، ولا تَسمح بانتشار الفَساد والاستِبْداد ؛ والأمم القارئة تَسلك طريق النُّهوض وتأخذ بأسباب القوَّة والنَّصر ، فتحتمي بثوابتها الأخلاقيَّة وتعتصم بعقيدتها الدِّينية، وتبشِّر بالحق والعَدْل والحرية، وتسعى لتقوية حصونِها من الدَّاخل بالأُسرة القوية، والمجتمع المتراحم المتماسِك.


وأخيراً :

القراءة هي مفتاح التعلُّم والرُّقي وسبيل القوة والتقدُّم والازْدِهار ولذا نَهض المسلمون وسادوا العالَم وأسَّسوا حضارة العلم والإيمان انطلاقًا مِن قوله تعالى: 

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1]

قراءةً تؤسِّس لنهضةِ حضارةٍ ربَّانية، عمادها العلم والإيمان، وتحلق نحو الرُّقي الإنساني الحقِّ .

والأهم من هذا كله، أن القراءة مطلب شرعي رباني ومفتاح تلاوة القرآن الكريم، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفة التفسير والفقه واللغة والعقيدة وغيرها من العلوم الشرعية والنافعة، وكيف لا والذي يقرأ كتاب الله ويجوِّده ويحفظه ويتقن ذلك كله هو الأجدر والأحقُّ بإمامة الناس والصلاة بهم.


كما جاء عن أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 

يؤمُّ القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواءً، فأعلمهم بالسنَّة، فإن كانوا في السنَّة سواءً، فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواءً، فأقدمهم سنًّا، ولا يؤُمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرِمَتِه إلا بإذنه. رواه مسلم


إن القراءة هي الحياة ذاتها، بل هي مِقْودُ الحياة وقائدها، بل هي الجسر الموصل إلى جنات النعيم في الآخرة وهى واجب فكري وحضاري، لا عذرَ لأحد في إهماله أو التخلِّي عنه، ومن يفعل هذا فقد حكم على نفسه أن يعيش في الحضيضِ، وأن يحجب عن عقله الوقود الأساسي ألا وهو ضياءُ المعرفة.




شمس رمضان قد أوشكت على الغروب | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف


شمس رمضان قد أوشكت على الغروب | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
شمس رمضان قد أوشكت على الغروب | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف 

 



قال تعالى : 


{أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}


ها هي شمس رمضان قد أوشكت على الغروب، فما أجمل ختام هذا الشهر المبارك بالتوبة والاستغفار وسؤال الله تعالى القبول وشكره سبحانه على تيسيره وإعانته وتوفيقه، فإن العبد لا حول له ولا قوة إلا بالله، كما أنه ينفك عن نقص وتقصير، وإننا وَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صلَّينا، وقَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّهُ لا يُدْخِلُ أَحَدًا الجَنَّةَ عَمَلُهُ». قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِمَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍ». متفق عليه.


وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِي عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعمالكُم أحصها عَلَيْكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمِنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومن إِلَّا نَفسه». رَوَاهُ مُسلم.


وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.


قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: 


وَالِاعْتِبَارُ فِي الْفَضَائِلِ بِكَمَالِ النِّهَايَةِ لَا بِنَقْصِ الْبِدَايَةِ. 


 منهاج السنة.


وقال ابن الجوزي رحمه الله فى التبصرة :


 وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الاجْتِهَادُ فِي أَوَاخِرِ الشَّهْرِ أَكْثَرَ من أوله لشيئين: 


أحدهما لشرف هذا الْعَشْرِ وَطَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ.   


وَالثَّانِي: لِوَدَاعِ شَهْرٍ لا يَدْرِي هَلْ يَلْقَى مِثْلَهُ أَمْ لا. 



بعد أيام قليلة ينقضي هذا الشهر المبارك، سوق قام وانفض، ربح فيه من ربح، وغُبن فيه من غُبن؛ ولكن هناك رسالة للعاملين والمجتهدين، وكذا للمقصرين، والمفرطين:


عَن سهل بن سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 


إِنَّ العَبْدَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالخَوَاتِيمِ. 


متفق عليه


 وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ» فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: «نَعَمْ إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه 


وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّهُ لا يُدْخِلُ أَحَدًا الجَنَّةَ عَمَلُهُ» قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِمَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍ». متفق عليه.


على المسلم أن يعمل .


عن أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الجَنَّةَ» قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "لاَ، وَلاَ أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَلاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ: إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْرًا، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ" رواه البخاري


وعَن أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ - أَوْ تَمْلَأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالصَّلَاةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. 


عباد الله استنقذوا أنفسكم قبل فوات الأوان، فإن الأزمان تمضي، والأعمار تنقضي.


روى ابن أبي الدنيا في كتاب الزهد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: يَا أَطْوَلَ النَّبِيِّينَ عُمْرًا كَيْفَ وَجَدْتَ الدُّنْيَا وَلَذَّتَهَا؟ قَالَ: «كَرَجُلٍ دَخَلَ بَيْتًا لَهُ بَابَانِ، فَقَامَ فِي وَسَطِ الْبَيْتِ هُنَيَّةً، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ الْآخَرِ».

ونحن مهما بلغت سنون وأعوام حياتنا فإنها قصيرة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِتِّينَ إِلَى السَبْعِينَ وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَه 


فلا حيلة إلا بإحسان العمل، والتوبة والاستغفار من التقصير والذلل، لا سيما وقد خفي علينا الأجل، والعبرة بالخواتيم وحسن العمل .


وخير الناس هم أهل اغتنام الأعمار في طاعة ربهم سبحانه، فعَن أبي بكرةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خيرٌ؟ قَالَ: «مَن طالَ عمُرُه وحسُنَ عَمَلُهُ» . قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ


فهنيئًا لمن طالت أعمارهم في طاعة ربهم ، فهم الأخيار بنص قول النبي عليه الصلاة والسلام؛ والعكس بالعكس لمن طالت أعمارهم وساءت أعمالكم -عياذًا بالله- .


فعلى من أطال الله بقاءه، وبسط له في عمره أن يحسن العمل، ولا ينتهج الخمول والكسل، فإنه لا يدري بمَ يختم له، والأعمال بالخواتيم كما أخبر سيد المرسلين.


وعلى من فرط أن يبادر بالعودة، ويقدم بين يدي رجوعه التوبة، وأن يصلح من طاعته وعمله، ويحسن فيما بقي من أجله.




 

من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان الاعتكاف | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف


من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان الاعتكاف | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان الاعتكاف | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف

 


كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلمَ في العشر الأواخر من رمضان الاجتهاد في الطاعة، ومنه الاعتكاف في المساجد .


والاعتكاف هو لزوم المسلم المميز مسجداً لطاعة الله عز وجل، وهو سنة وقربة إلى الله تعالى.


 قال تعالى:


 {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125]


وهذه الآية دليل على مشروعيته حتى في الأمم السابقة .


وقال تعالى:


 {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187]


وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بعده. 


متفق عليه


وأجمع المسلمون على مشروعيته، وأنه سنة، لا يجب على المرء إلا أن يوجبه على نفسه كأن ينذره.


والاعتكاف عبادة لها شروط لا تصح إلا بها، وهي:


أن يكون المعتكف مسلمًا مميزًا عاقلاً: 


فلا يصح الاعتكاف من الكافر، ولا المجنون، ولا الصبي غير المميز؛ أما البلوغ والذكورية فلا يشترطان، فيصح الاعتكاف من غير البالغ إذا كان مميزًا، وكذلك من الأنثى.


النية:


 لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 


إنما الأعمال بالنيات . 


متفق عليه


فينوي المعتكف لزوم معتكفه؛ قربةً وتعبدًا لله.


أن يكون الاعتكاف في مسجد: 


لقوله تعالى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187]


ولفعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث كان يعتكف في المسجد، ولم ينقل عنه أنه اعتكف في غيره.


أن يكون المسجد الذي يعتكف فيه تقام فيه صلاة الجماعة: 


وذلك إذا كانت مدة الاعتكاف تتخللها صلاة مفروضة، وكان المعتكف ممن تجب عليه الجماعة، لأن الاعتكاف في مسجد لا تقام فيه صلاة الجماعة يقتضي ترك الجماعة وفوات أجرها أو وجوبها –على القول به- أو تكرار خروج المعتكف كل وقت لها، وهذا ينافي المقصود من الاعتكاف، أما المرأة فيصح اعتكافها في كل مسجد سواء أقيمت فيه الجماعة أم لا. 


هذا إذا لم يترتب على اعتكافها فتنة، فإن ترتب على ذلك فتنة منعت منه.


 والأفضل أن يكون المسجد الذي يعتكف فيه تقام فيه الجمعة، لكن ذلك ليس شرطًا للاعتكاف.


الطهارة من الحدث الأكبر:


 فلا يصح اعتكاف الجنب، ولا الحائض، ولا النفساء؛ لعدم جواز مكث هؤلاء في المسجد.


والصيام ليس شرطًا في الاعتكاف:


 لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر قال: يا رسول الله، إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال: 


أوف بنذرك .


أخرجه البخاري ومسلم


 فلو كان الصوم شرطاً لما صح اعتكافه في الليل، لأنه لا صيام فيه. 


ولأنهما عبادتان منفصلتان، فلا يشترط لإحداهما وجود الأخرى.


هذا ويصح الاعتكاف بالمكث في المسجد مقدارًا من الزمن ولو كان يسيرًا، إلا أن الأفضل ألا يقل الاعتكاف عن يوم أو ليلة؛ لأنه لم ينقل عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا عن أحد من أصحابه الاعتكاف أقل من ذلك.


وأفضل أوقات الاعتكاف العشر الأواخر من رمضان:


 لحديث عائشة رضي الله عنها السابق: 


أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:


كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بعده. 


متفق عليه


جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:


 اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الاِعْتِكَافَ يَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُهُ فِي الْعَشْرِ الأْوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ يُرِيدُ الاِعْتِكَافَ فِي الْعَشْرِ الأْوَاخِرِ أَنْ يَدْخُل الْمَسْجِدَ قَبْل غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ، ثُمَّ يَبِيتَ لَيْلَةَ الْعِيدِ فَيَغْدُوَ كَمَا هُوَ إِلَى مُصَلَّى الْعِيدِ، لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.


قَال إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: 


كَانُوا يُحِبُّونَ لِمَنِ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الأْوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ يَغْدُوَ إِلَى الْمُصَلَّى مِنَ الْمَسْجِدِ، لِئَلاَّ يَفُوتَهُ شَيْءٌ مِنَ الْعَشْرِ الأْوَاخِرِ، تَمَّ الشَّهْرُ أَوْ نَقَصَ، وَلِمَا ثَبَتَ: أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأْوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ .


وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:


 مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفِ الْعَشْرَ الأْوَاخِرَ. 


إن الاعتكاف عبادة يخلو فيها العبد بخالقه، ويقطع العلائق عما سواه، فيستحب للمعتكف أن يتفرغ للعبادة، فيكثر من الصلاة، والذكر، والدعاء، وقراءة القرآن، والتوبة، والاستغفار، ونحو ذلك من الطاعات التي تقربه إلى الله تعالى.


ويباح للمعتكف الخروج من المسجد لما لابد منه؛ كالخروج للأكل والشرب، إذا لم يكن له من يحضرهما، والخروج لقضاء الحاجة، والوضوء من الحدث، والاغتسال من الجنابة.


ويبطل الاعتكاف بالخروج من المسجد لغير حاجة عمداً، وإن قلَّ وقت الخروج؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: 


وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة، إذا كان معتكفاً .


أخرجه البخاري


ولأن الخروج يفوت المكث في المعتكف، وهو ركن الاعتكاف.


ويبطل بالجماع، ولو كان ذلك ليلاً، أو كان الجماع خارج المسجد؛ لقوله تعالى: 


{وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} 


[البقرة: 187]


ويبطل بما في حكمه من الإنزال بشهوة بدون جماع كالاستمناء، ومباشرة الزوجة في غير الفرج.


ويبطل بذهاب العقل، فيفسد الاعتكاف بالجنون والسكر، لخروج المجنون والسكران عن كونهما من أهل العبادة.


ويبطل بالحيض والنفاس؛ لعدم جواز مكث الحائض والنفساء في المسجد.


ويبطل بالردة عياذًا بالله؛ لمنافاتها العبادة، ولقوله تعالى:


 {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} 


[الزمر: 65].




 

سؤال وجواب عن زكاة الفطر فى رمضان | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف


سؤال وجواب عن زكاة الفطر فى رمضان | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
سؤال وجواب عن زكاة الفطر فى رمضان | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف 

 


#قد يسأل سائل ويقول :


لماذا فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من طعام ولم يفرض قيمة معينة من الدراهم والدنانير ؟


#نقول بفضل الله تعالى :


كان ذلك منه صلى الله عليه وسلم بغرض التيسير علي الناس ، إذ كان الناس وقتها يتعاملون معاً بطريقة المقايضة في السلع، وهي الطريقة التي كانت سائدة  وكانت النقود إذ ذاك نادرة ولا يكاد يوجد منها إلا القليل عند أكثر الناس ، كما كان الفقراء إذ ذاك ففي حاجة ماسة إلي البر والتمر والشعير لأنه غذاؤهم اليومي المعتاد .


ولذا كان إخراج الطعام أنفع للأخذ ، وأيسر على المعطي كما أن القوة الشرائية للنقود تتغير من زمن إلي زمن ومن بلد لآخر فلو قدر الواجب في زكاة الفطر بالنقود لكان قابلاً للارتفاع والانخفاض ، ولذا جعل الصاع هو الأصل في التقدير لأنه يمثل قدراً محدداً من الطعام يشبع حاجة بشرية محددة لا تختلف فكان هذا أقرب إلي العدل وأبعد عن التقلب.


إن الذين قالوا بالقيمة في زكاة الفطر مجتهدون مأجورون علي كل حال ، واجتهادهم هذا موافق لفقه واقعنا المعاصر ، فمن أخذ به من جمهور المسلمين لم يبعد عن الحقل الحق ولا ينبغي أن نحول هذه المسألة الفقهية إلي معركة ونجعلها حداً فاصلاً بين السنة والبدعة ، وقد رأينا أن لكل دليلاً .


#هذا ليس رأي أبي حنيفة رحمه الله فقط وحده ، بل وافقه بجواز إخراج القيمة عطاء والحسن البصري وعمر بن عبدالعزيز والثوري، وهو الظاهر من مذهب البخاري في صحيحه، قال ابن رشيد :


وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم لكن قاده إلى ذلك الدليل . 


(فتح الباري 5/57). 


قال أبو إسحاق السبيعي - وهو أحد أئمة التابعين- : 


أدركتهم وهم يؤدون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام . 


(رواه ابن أبي شيبة 3/65). 


واستدلوا بأمور :  


أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة نص في تحريم دفع القيمة .


كما أن الأحاديث الواردة في النص على أصناف معينة من الطعام لا تفيد تحريم ما عداها، بدليل أن الصحابة رضي الله عنهم أجازوا إخراج القمح وهو غير منصوص عليه عن الشعير والتمر ، ونحو ذلك من الأصناف الواردة في الأحاديث.


ولو أمعنا النظر إلى كلمة القيمة فليس المقصود هو الطعام المنصوص عليه ، وانما ما يساويه عند التقييم .


وما ذكره ابن المنذر من أن الصحابة أجازوا إخراج نصف الصاع من  القمح ؛ لأنهم رأوه معادلاً في القيمة للصاع من التمر أو الشعير، ولهذا قال معاوية رضي الله عنه : 


" إني لأرى مُدَّين من سمراء الشام تعدل صاعًا من التمر" فهم قدروه بالقيمة. 


(انظر فتح الباري 5/144).


ولو راجعنا النصوص الواردة لوجدنا فيها الدلالة الواضحة على مقاصد الشريعة التي هي سد حاجة الفقير ، فإن دفع الطعام قد لا يسد حاجة الفقير اليوم لأنه قد يحصل عليه من خلال البطاقة التموينية ، ولكن لا يحصل على النقد لشراء الكسوة ودفع  ايجار السكن وعلاج المريض وغيرها .


فالذي أفهمه من رأي جماهير أهل العلم رحمهم الله ، أنهم لم يواجهوا ما نواجهها من المشاكل اليوم ، ففي زمانهم كان الفقير بأمس الحاجة إلى الطعام لا الى القيمة "النقود" ، وربما في قابل الأيام يكون الحاجة الى الطعام لا النقود . 


وما أروع قول بعض اهل العلم قولهم :


الأفضل دفع ما هو أصلح للفقير .


#والحديث الذى أخرجه البيهقى والدارقطنى عن ابن عمر قال:


فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر وقال: أغنوهم في هذا اليوم .


وفي رواية للبيهقي:


أغنوهم عن طواف هذا اليوم .


وأخرجه أيضاً ابن سعد في الطبقات من حديث عائشة وأبي سعيد .


وهذا الحديث دليل قوي لمن يرى جواز القيمة في زكاة الفطر ، لأنه يبين أن المقصود من شرع الزكاة إغناء الفقير يوم العيد ، وهذا يتحقق بالطعام ويتحقق بالقيمة .


#ولقد جوز ابن تيمية القيمة في زكاة المال وقال:


وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل فلا بأس به :


مثل أن يبيع ثمن بستانه أو زرعه بدراهم ؛ فهنا إخراج عشر الدراهم يجزئه.


وهذا الكلام ينطبق علي زكاة الفطر أيضاً من باب أولى.


#كما جاء في مصنف ابن ابي شيبة عن أبي اسحاق قال:


أدركتهم وهم يؤدون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام .


وفيه أيضاً عن عطاء:


أنه كان يعطي في صدقة الفطر ورقاً- أى دراهم فضية .


#وجاء في مصنف ابن أبي شيبه عن قرة قال :


جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز في صدقة الفطر نصف صاع عن كل إنسان، أو قيمته نصف درهم .


#وهذا لم يكن مجرد رأي شخصي لعمر بن عبد العزيز، وإنما جعله أمراً عامّاً، وأمر واليه أن يأخذ من أهل ذلك البلد نصف درهم عن صدقة الفطر ولم يقع عليه اعتراض، والتابعون والأئمة حاضرون متوافرون، وعمر هو من العلماء المجتهدين .


#وعن الحسن البصري قال : 


لا بأس أن نعطي الدراهم في صدقة الفطر .


وأبو إسحاق السبيعي قال : 


أدركتهم وهم يعطون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام .


إذن فالقول بجواز القيمة ليس جديداً ، بل عمل به في خير القرون فلا وجه للإنكار على من يأخذ به اليوم !